فصل: باب شُهُودِ الْحَائِضِ الْعِيدَيْنِ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


باب اعْتِكَافُ الْمُسْتَحَاضَةِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ الرسُول صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ، وَهِىَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ‏.‏

وَأَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاء، الْعُصْفُرِ‏.‏

- وَقَالَتِ مرة‏:‏ فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ، وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا، وَهِىَ تُصَلِّى‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه من الفقه أن المستحاضة حكمها حكم الطاهر واستحاضتها غير الحيض المتروك له الصلاة، وهو عرق كما قال صلى الله عليه وسلم، ولذلك اعتكفت فى المسجد‏.‏

والعلماء مجمعون أن الحائض لا يجوز لها دخول المسجد، ولا الاعتكاف فيه‏.‏

قال عبد الواحد‏:‏ وفيه دليل على إباحة الاعتكاف لمن به سلس البول، أو المذى، أو به جرح يسيل قياسًا على المستحاضة‏.‏

باب هَلْ تُصَلِّى الْمَرْأَةُ فِى ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ‏؟‏

- فيه‏:‏ عَائِشَة قَالَتْ‏:‏ مَا كَانَ لإحْدَانَا إِلا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَىْءٌ مِنْ الدَّمِ، قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَمَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا‏.‏

قال المهلب‏:‏ من لم تكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه فمعلوم أنها فيه تصلى عند انقطاع حيضتها وتطهيرها لأثر الدم من ثوبها، وقد جعل الله الماء طهورًا لكل نجاسة، وليس هذا الحديث بمخالف لحديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت‏:‏ كانت إحدانا تقرض الدم من ثوبها عند طهرها، فتغسله‏.‏

وإنما هو مبنى عليه ومحمول على غسلها الدم الثابت عنها، أو يكون هذا الدم الذى مصعته قليلاً معفوًا عنه لا يجب عليها بغسله، فلذلك لم تذكر أنها غسلته بالماء‏.‏

وقال صاحب العين‏:‏ المصع‏:‏ التحريك، والدابة تمصع بذنبها، ومصع الطائر بذرقه‏:‏ رمى به، وإنما أرادت فى الحديث أنها كانت تحكه وتحته بظفرها وتقلعه‏.‏

باب الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ

- فيه‏:‏ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ‏:‏ تمت كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلا نَكْتَحِلَ، وَلا نَتَطَيَّبَ، وَلا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهور، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِى نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ-‏.‏

قال المهلب‏:‏ أبيح للحائض مُحِدا كانت أو غير مُحدٍّ عند غسلها من المحيض أن تدرأ رائحة الدم عن نفسها بالبخور بالقسط لما هى مستقبلة من الصلاة ومجالسة الملائكة لئلا تؤذيهم برائحة الدم‏.‏

وقولها‏:‏ تمت نبذة من كست-، يعنى ما تنبذه وتطرحه فى النار مرةً واحدةً عند الطهى، وإنما أرادت بذلك التقليل منه بمقدار ما يقطع زفرة رائحة دم المحيض‏.‏

وقولها فى الحديث‏:‏ تمت كست أظفار-، هكذا روى فيه، وصوابه‏:‏ كست ظفار، منسوب إلى ظفار وهو ساحل من سواحل عدن، والكست والقسط لغتان‏.‏

باب دَلْكِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إِذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ الْمَحِيضِ، وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ، وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً تَتَّبِعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ

- فيه‏:‏ عَائِشَة، أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، فَقَالَ‏:‏ تمت خُذِى فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِى بِهَا-، قَالَتْ‏:‏ كَيْفَ أَتَطَهَّرُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ تمت تَطَهَّرِى بِهَا-، قَالَتْ‏:‏ كَيْفَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ تمت سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِى-، فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَىَّ، فَقُلْتُ‏:‏ تَتَبَّعِى بِهَا أَثَرَ الدَّمِ‏.‏

الفرصة‏:‏ القطعة، وفرصت الشىء فرصًا قطعته، ومن سمى المفراص‏:‏ الحديدة التى يقطع بها الجلد‏.‏

وقال ابن قتيبة‏:‏ اختلف الناس فى تأويل الفرصة، فذهب بعض الفقهاء إلى أنها المطيبة بالمسك، وبعضهم يذهب إلى أنها المأخوذة من مسك شاة وهو الجلد، ولا أرى هذين التفسيرين صحيحين، ومن كان منهم يستطيع أن يمتهن بالمسك هذا الامتهان حتى تمسح به دم الحيضة‏؟‏ ولا نعلم فى الصوف لتتبع الدم معنى يخصه به دون القطن والخرق، والذى عندى فى ذلك، والله أعلم، أن الناس يقولون للحائض‏:‏ احتملى معك كذا، يريدون عالجى به قُبُلك، أو احتشى به، أو أمسكى معك كذا وكذا يكنون به، فيكون أحسن من الإفصاح فقوله‏:‏ خذى معك فرصة، أى قطعة من صوف، أو قطن، أو خرقة‏.‏

وقوله‏:‏ تمت ممسَّكة-، يعنى متحملة، يريد تحملينها معك تمسح القبل، والعرب تقول‏:‏ مسكت كذا، بمعنى أمسكت وتمسكت، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يمسكون بالكتاب‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 170‏]‏، فالكتاب على هذا ممسك‏.‏

وقال غيره‏:‏ هذا تأويل حسن، وهو خارج على رواية من روى فى هذا الحديث‏:‏ تمت فرصه ممسَّكة-، وهى رواية وهيب، عن منصور، وأما على رواية ابن عيينة، عن منصور‏:‏ تمت خذى فرصة من مسك-، فلا مسوغ أن تكون الفرصة إلا من مسك‏.‏

قال المهلب‏:‏ وإنما يريد قطعة من جلد فيها صوفها لم تنتف، وإذا كان كذلك مَنَعَ الجلد أن يصل بلل الصوف بالدم إلى يدها، فتسلم يدها من زفرته، ويكون أنظف لها‏.‏

وقوله‏:‏ تمت تتبعى بها أثر الدم-، يريد فى فرجها حيث كان الأذى، وليس ذلك بموجب لدلك الجسم كله، إذا لم يكن فيه أذى، وهكذا حكم النجاسات الثابتة العرك والدلك، والمتابعة لصب الماء عليها‏.‏

وفيه‏:‏ أنه ليس على المرأة عار أن تسأل عن أمر حيضتها وما تستبين به إذا كان من أمر دينها‏.‏

وفيه‏:‏ أن العالم يجيب بالتعريض فى الأمور المستورة‏.‏

وفيه‏:‏ تكرير الجواب لإفهام السائل دون أن يكشف‏.‏

وفيه‏:‏ مراجعة السائل إذا لم يفهم‏.‏

وفيه‏:‏ أن السائل إذا لم يفهم وفهمه بعض من فى مجلس العالم والعالم يسمع، أن ذلك سماع من العالم يجوز أن يقول فيه حدثنى وأخبرنى‏.‏

وترجم له باب غسل المحيض، وذكر فيه حديث وهيب عن منصور‏:‏ تمت خذى فرصة ممسَّكة‏.‏

باب امْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَتْ‏:‏ أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ، وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْىَ، فَحَاضَتْ، وَلَمْ تَطْهُرْ، حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت انْقُضِى رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِى، وَأَمْسِكِى عَنْ عُمْرَتِكِ-، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ، أَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، فَأَعْمَرَنِى مِنَ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِى الَّتِى نَسَكْتُ‏.‏

وترجم له باب نقض المرأة شعرها عند غسل الحيض‏.‏

اختلف العلماء فى نقض المرأة شعرها للاغتسال، فروى عن عبد الله بن عمرو أنه كان يأمر نساءه إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن‏.‏

وروى همام، عن حذيفة أنه قال لامرأته‏:‏ خللى رأسك بالماء لا تُحِلِّهِ، فإن قليل بقاؤه عليه‏.‏

وقال النخعى‏:‏ تنقض العروس رأسها للغسل وحجتهم حديث عائشة‏.‏

وقال طاوس‏:‏ تنقض الحائض شعرها إذا اغتسلت، فأما من الجنابة فلا‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ لا فرق بين الحائض والجنابة‏.‏

وفيه قول آخر روى عن عائشة، وأم سلمة، وابن عمر، وجابر، أنهم قالوا‏:‏ ليس على المرأة نقض شعرها للاغتسال من الحيض ولا من الجنابة، وهو قول عكرمة، وعطاء، والزهرى، والحكم، ومالك، والكوفيين، والشافعى، وعامة الفقهاء كلهم يقولون‏:‏ أن المرأة بأى وجه أوصلت الماء إلى أصول شعرها، وعمته بالغسل، أنها قد أدت ما عليها، وحجتهم حديث أم سلمة أنها قالت‏:‏ يا رسول الله، إنى امرأة أشد ضفر رأسى، أفأنقضه للجنابة‏؟‏ قال‏:‏ تمت لا، إنما كان يكفيك أن تحثى عليه ثلاث حثيات، وتغمرى قرونك، فإذا أنت قد طهرت-‏.‏

وحديث عائشة أصح إسنادًا غير أن العمل عند الفقهاء على حديث أم سلمة، وقد قال حماد قولاً جمع فيه بين الحديثين، فقال‏:‏ إن كانت ترى أن الماء أصاب أصول شعرها أجزأ عنها، وإن كانت ترى أن الماء لم يصب، فلتنقضه‏.‏

وقد استدل الكوفيون بحديث عائشة، وعلله المالكيون ودفعوه بما سنورده فى رفض العمرة للحائض والمراهق، وسنذكره فى كتاب الحج‏.‏

باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، خَرَجْنَا مَعَ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَحِضْتُ، فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَأَمَرَنِى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِى، وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

فيه‏:‏ أن الحائض تهل بالحج والعمرة، وتبقى على حكم إحرامها، وتفعل فعل الحج كله غير الطواف بالبيت على ما روته عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى كتاب الحج، فإذا طهرت اغتسلت، وطافت بالبيت وأكملت حجها، ويحتمل أن يأمرها صلى الله عليه وسلم بالاغتسال ونقض رأسها عند إهلالها بالحج، وهى حائض لا أنه يجب الغسل عليها‏.‏

قال بعض الناس‏:‏ فأمره صلى الله عليه وسلم أن تنقض شعرها، وامتشاطها وهى حائض، لا يُجب ذلك عليها، وإنما ذلك، والله أعلم، لإهلالها بالحج، لأن من سنة الحائض والنفساء أن يغتسلا عند الميقات بالحج والإهلال، كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس حين ولدت محمد بن أبى بكر بالبيداء بالاغتسال والإهلال، وكان مذهب ابن عمر أن تغتسل لدخول مكة ولوقوف عشية عرفة، فلما حاضت بسرف، أمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل لإهلالها بالحج، فدل ذلك على أن اغتسال الحائض والنفساء عند الإهلال سنة لهما، ذلك على أن اغتسال الحائض، والنفساء عند الإهلال سنة لهما، وسأزيد فى بيان ذلك فى كتاب الحج فى باب كيف تهل الحائض والنفساء، إن شاء الله، حين أمرها أن تدع العمرة وتهل بالحج‏.‏

باب‏:‏ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ

- فيه‏:‏ أَنَس، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ تمت إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، يَقُولُ‏:‏ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِىَ خَلْقَهُ، قَالَ‏:‏ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى‏؟‏ شَقِىٌّ أَمْ سَعِيدٌ‏؟‏ فَمَا الرِّزْقُ‏؟‏ وَمَا الأجَلُ‏؟‏ فَيُكْتَبُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ-‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه أن الله قد علم أحوال خلقه قبل أن يخلقهم، ووقت آجالهم، وأرزاقهم، وسبق علمه فيهم بالسعادة، أو الشقاء، وهذا مذهب أئمة أهل السنة‏.‏

قال غيره‏:‏ ويمكن أن يكون أراد البخارى بهذا التبويب، معنى ما روى عن علقمة فى تأويل هذه الآية، قال علقمة‏:‏ تمت إذا وقعت النطفة فى الرحم، قال الملك‏:‏ مخلقة أو غير مخلقة‏؟‏ فإن قال‏:‏ غير مخلقة محت الرحم دمًا، وإن قال‏:‏ مخلقة، قال‏:‏ أذكر، أو أنثى-‏؟‏ فغرضه فى هذا الباب، والله أعلم، أن الحامل لا تحيض كما ذهب إليه أهل الكوفة، والأوزاعى، وهو أحد قولى الشافعى، قالوا‏:‏ لأن اشتمال الرحم على الدم منع خروج دم الحيض‏.‏

وفى الآية تأويل ثان، قيل‏:‏ إن معنى غير مخلقة أنها تكون أولاً غير مخلقة وهى الحالة الثانية، ثم تخلق بعد ذلك، والواو لا توجب الترتيب‏.‏

وأجمع العلماء أن الأمة تكون أم ولد بما أسقطته من ولدٍ تام الخلق، واختلفوا فيما لم يتم خلقه من المضغة والعلقة، فقال مالك، والأوزاعى، وجماعة‏:‏ تكون بالمضغة أم ولد كانت مخلقة، أو غير مخلقة وتنقضى بها العدة، وقال أبو حنيفة، والشافعى، وجماعة‏:‏ إن كان قد تبين فى المضغة شىء من الخلق أصبع، أو عين، أو غير ذلك، فهى أم ولد، وكلا القولين تحتمله الآية، والله أعلم بما أراد‏.‏

باب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ

وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ‏:‏ لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ‏.‏

وَبَلَغَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ، فَقَالَتْ‏:‏ مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا، وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِى حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ تمت ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَدَعِى الصَّلاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِى، وَصَلِّى-‏.‏

أما إقبال المحيض فهو دفعة من دم، فإذا رأتها المرأة أمسكت عن الصلاة، وهذا إجماع من العلماء، إلا أن الدفعة من الدم لا تحسب قرء فى العدة عندهم‏.‏

وأما إدبار الحيض، فهو إقبال الطهر، وله علامتان‏:‏ القصة البيضاء، والجفوف، وهو أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة‏.‏

اختلف أصحاب مالك عنه فى أيهما أبلغ براءة فى الرحم من الحيض‏؟‏ فروى ابن القاسم عن مالك‏:‏ أنه إذا كانت ممن ترى القصة البيضاء، فلا تطهر حتى تراها، وإن كانت ممن لا تراها فطهرها الجفوف، وبه قال عيسى بن دينار، أن القصة أبلغ من الجفوف‏.‏

وممن روى عنه ذلك من السلف‏:‏ أسماء بنت أبى بكر، ومكحول‏.‏

وذكر ابن عبد الحكم، عن مالك‏:‏ أنها تطهر بالجفوف، وإن كانت ممن ترى القصة البيضاء، لأن أول الحيض دم، ثم صفرة، ثم كدرة، ثم يكون رقيقًا كالقصة، ثم ينقطع، فإذا انقطع قبل هذه المنازل، فقد برئت الرحم من الحيض، لأنه ليس بعد الجفوف انتظار شىء‏.‏

وممن قال‏:‏ إن الجفوف أبلغ‏:‏ عمر، وعطاء بن أبى رباح، وهو قول عائشة‏:‏ تمت لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء-، يدل على أنها آخر ما يكون من علامات الطهر، وأنه لا علامة بعدها أبلغ منها، ولو كانت علامة أبلغ منها، لقالت‏:‏ حتى ترين القصة أو الجفوف‏.‏

وفى قولها‏:‏ تمت لا تعجلن حتى ترين القصة-، دليل أن الصفرة والكدرة فى أيام الحيض حيض، لأنها فى حكم الحائض حتى ترى القصة البيضاء، وقد ترى قبلها صفرة، أو كدرة‏.‏

والقصة‏:‏ الماء الأبيض الذى يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض، شبه لبياضه بالقص، وهو الجص، وفى الحديث‏:‏ تمت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقصيص القبور-، ويروى‏:‏ تمت عن تجصيص القبور-، وهو تلييسها بالجص‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه من الفقه أن العادة الرافعة للحرج هى السنة، ومن خالفها بما يدخل الحرج، فهو مذموم، كما ذمته بنت زيد بن ثابت‏.‏

قال غيره‏:‏ إنما أنكرت ابنة زيد افتقاد أمر الحيض فى غير أوقات الصلوات، لأن جوف الليل ليس بوقت صلاة، وإنما على النساء افتقاد أحوالهن للصلاة، فإن كن قد طهرن تأهبن للغسل لها‏.‏

واختلف الفقهاء فى الحائض تطهر قبل الفجر، ولا تغتسل حتى يطلع الفجر، فقال مالك، والثورى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور‏:‏ هى بمنزلة الجنب تغتسل وتصوم، ويجزئها صوم ذلك اليوم‏.‏

وقال الأوزاعى‏:‏ تصومه، وتقضيه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كانت أيامها أقل من عشرة صامته وقضت، وإن كانت أكثر من عشرة صامته ولم تقضه‏.‏

قال بعض الناس‏:‏ قد اتفق هؤلاء على صومه، واختلفوا فى قضائه، ولا حجة مع من أوجب قضاءه إلا الرأى والدعوى، والفرائض لا تثبت إلا من جهة التوقيف، وقد قال عبد الملك بن الماجشون‏:‏ يومها ذلك يوم فطر، ولا أدرى إن كان يرى صومه أم لا، فإن كان لا يراه فهو شذوذ لا يعرج عليه، ولا معنى لمن اعتل به من أن الحيض ينقض الصوم، والاحتلام لا ينقضه، لأن من طهرت من حيضتها ليست بحائض، والغسل إنما يجب عليها إذا طهرت، ولا يجب الغسل على حائض‏.‏

وقوله‏:‏ تمت كن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف-، هكذا يرويه أصحاب الحديث الدرجة، بكسر الدال وتشديدها وفتح الراء، يعنون بذلك جمع دِرَج، وهو الذى يجعل فيه النساء الطيب، وأهل اللغة ينكرون ذلك، ويقولون‏:‏ أما الذى كن يبعثن به الخرَق فيها القطن، كن يمتحن بها أمور طهورهن، واحدتها دُرْجة، بضم الدال وسكون الراء‏.‏

قال ابن الأعرابى‏:‏ يقال للذى يدخل فى حياء الناقة إذا أرادوا إرآمها الدُّرَجَة والدُّرْج، وجمعه أَدْراج ودِرَجَة ودريج، وقد أدرجت الناقة، واستدرجت المرأة‏.‏

والكرسف‏:‏ القطن‏.‏

باب لا تَقْضِى الْحَائِضُ الصَّلاةَ

وَقَالَ جَابِرُ، وَأَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت تَدَعُ الصَّلاةَ‏.‏

- فيه‏:‏ مُعَاذَةُ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ‏:‏ أَتَجْزِئ إِحْدَانَا صَلاتَهَا، إِذَا طَهُرَتْ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ‏؟‏ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَلا يَأْمُرُنَا بِهِ، أَوْ قَالَتْ‏:‏ فَلا نَفْعَلُهُ‏.‏

قال المهلب‏:‏ معنى قولها‏:‏ تمت أتجزئ إحدانا صلاتها‏؟‏- معناه أتقضى إحدانا صلاتها‏؟‏ ولذلك سمى يوم القيامة يوم الجزاء إذا جوزى الناس بأعمالهم يوم القضاء‏.‏

وهذا الحديث أصل إجماع المسلمين‏:‏ أن الحائض لا تقضى الصلاة، ولا خلاف فى ذلك بين الخلف والسلف، إلا طائفة من الخوارج يرون على الحائض قضاء الصلاة لا يشتغل بهم، ولا يُعَدون خلافًا، لشذوذهم عن سلف الأمة، فلذلك قالت عائشة‏:‏ تمت أحرورية أنت‏؟‏- للمرأة التى سألت عن ذلك منكرة عليها، إذ خشيت أن تعتقد مذهب الحرورية فى ذلك، ونزعت لها بالحجة التى لا يجوز خلافها، وهو قولها‏:‏ تمت قد كنا نحيض مع النبى صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به-، تعنى بقضاء الصلوات أيام الحيض، وقد سئل ابن عباس عن الحائض والنفساء هلى يقضيان الصلاة‏؟‏ فقال‏:‏ هؤلاء نساء النبى صلى الله عليه وسلم لو فعلن ذلك أمرنا نساءنا به‏.‏

وقال معمر‏:‏ قال الزهرى‏:‏ تقضى الحائض الصوم، ولا تقضى الصلاة‏.‏

قلت‏:‏ عمن‏؟‏ قال‏:‏ اجتمع الناس عليه، وليس فى كل شىء نجد الإسناد‏.‏

قال ابن جريج‏:‏ قلت لعطاء‏:‏ أتقضى الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ ذلك بدعة‏.‏

وقال حذيفة‏:‏ ليكونن فى آخر هذه الأمة قوم يكذبون أولهم ويلعنونهم، يقولون‏:‏ جلدوا فى الخمر، وليس فى كتاب الله، ورجموا وليس فى كتاب الله، ومنعوا الحائض الصلاة، وليس فى كتاب الله‏.‏

باب مَنِ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ

- فيه‏:‏ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ‏:‏ بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيلَةٍ، حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِى، فَقَالَ‏:‏ تمت أَنُفِسْتِ-‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، فَدَعَانِى، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِى الْخَمِيلَةِ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ إن قيل‏:‏ هذا الحديث يعارض قول عائشة‏:‏ تمت ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه-، قيل‏:‏ لا تعارض بينهما، بحمد الله، ويمكن أن يكون حديث عائشة فى بدء الإسلام، فإنهما كانوا حينئذ فى شدة وقِلَّة، قبل أن يفتح الله عليهم الفتوح، ويغنم الغنائم، فلما فتح الله عليهم واتسعت أحوالهم، اتخذ النساء ثيابًا للحيض سوى ثياب لباسهن، فأخبرت أم سلمة عن ذلك الوقت‏.‏

والخميلة والخملة‏:‏ ثوب مخمل من الصوف‏.‏

باب شُهُودِ الْحَائِضِ الْعِيدَيْنِ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى

- فيه‏:‏ حَفْصَةَ، قَالَتْ‏:‏ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِى الْعِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِى خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَىْ عَشَرَةَ غَزْوَةً، وَكَانَتْ أُخْتِى مَعَهُ فِى سِتٍّ، قَالَتْ‏:‏ كُنَّا نُدَاوِى الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِى النَّبِىَّ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ، أَنْ لا تَخْرُجَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ تمت لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَد الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ-، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا‏:‏ أَسَمِعْتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ بِأَبِى نَعَمْ، وَكَانَتْ لا تَذْكُرُهُ إِلا قَالَتْ‏:‏ بِأَبِى، سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ تمت يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى-‏.‏

قَالَتْ حَفْصَةُ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ الْحُيَّضُ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا‏؟‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه جواز خروج النساء الطاهرات والحُيَّض إلى العيدين وشهود الجماعات، ويعتزل الحيض المصلى، ويكنَّ فيمن يدعو، ويُؤَمِّن، رجاء بركة المشهد الكريم، وسأذكر اختلاف العلماء فى ذلك فى كتاب العيدين، إن شاء الله‏.‏

وفيه‏:‏ أن الحائض لا تقرب المسجد، وتقرب غيره من المواضع التى ليست بمساجد محظرة‏.‏

وفيه‏:‏ جواز استعارة الثياب، للخروج إلى الطاعات‏.‏

وفيه‏:‏ جواز اشتمال المرأتين فى ثوب واحد، لضرورة الخروج إلى طاعة الله‏.‏

وفيه‏:‏ غزو النساء المتجالات ومداواتهن الجرحى، وإن كن غير ذى محارم منهم، وأما إن كن غير مُتَجَالات، فيعالجن الجرحى، وإن كن غير ذى محرم منهن بحائل بينهن وبينهم، أو يأمرن غيرهن بوضع الدواء عليهم‏.‏

وفيه‏:‏ قبول خبر المرأة‏.‏

وفى قولها‏:‏ تمت كنا نداوى الكَلْمى-، جواز نقل الأعمال فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر بشىء من ذلك‏.‏

وفيه‏:‏ جواز النقل عمن لا يُعرف اسمه من الصحابة خاصة إذا بين مسكنه ودل عليه‏.‏

وقولها‏:‏ تمت بأبأ- تريد بأبى، وهى لغة لبعض العرب قالت عمرة الخثعمية من أبيات الحماسة‏:‏ لقد زعموا أنى جزعت عليها وهل جزع أن قلت وا بأبأهما‏؟‏ تريد بأبى هما، أى يُفديان بأبى‏.‏

وعن ابن الجنى‏:‏ ويجوز أبيبابيا مخلصة يريد أبًا، ثم يخفف الهمزة، ويحذفها، ويبقى فتحتها على الياء‏.‏

باب إِذَا حَاضَتْ فِى الشَهْرٍ ثَلاثَ حِيَضٍ وَمَا تُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِى الْحَمْلِ وَالْحَيْضِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنَ الْحَيْضِ

لِقَوْلِ اللَّه‏:‏ ‏{‏وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 228‏]‏‏.‏

وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِىٍّ وَشُرَيْحٍ، إِنِ ‏[‏امْرَأَةٌ‏]‏ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا، مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ، أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاثًا فِى كل شَهْرٍ، صُدِّقَتْ‏.‏

وَقَالَ عَطَاءٌ‏:‏ أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ‏.‏

وقال عَطَاءٌ‏:‏ الْحَيْضُ يَوْمٌ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ ليلة‏.‏

وقال مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ سَأَلْتُ‏:‏ ابْنَ سِيرِينَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى الدَّمَ بَعْدَ قُرْئِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِى حُبَيْشٍ سَأَلَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ‏:‏ إِنِّى أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ تمت لا، إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِى الصَّلاةَ قَدْرَ الأيَّامِ الَّتِى كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِى، وَصَلِّى-‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ اختلف أهل العلم فى العدة التى تصدق فيها المرأة إذا ادعتها، فروى عن على، وشريح‏:‏ أنها إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض فى شهر، أو خمس وثلاثين ليلة، وجاءت ببينة من النساء العدول من بطانة أهلها صُدِّقت، وهو قول أحمد بن حنبل‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وقد رُوى مثله عن مالك، قال فى كتاب إرخاء الستور من المدونة، قال‏:‏ إذا قالت المطلقة‏:‏ حضت ثلاث حيض فى شهر، سئل النساء عن ذلك، فإن أمكن ذلك عندهن صُدِّقت‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا تصدق إذا ادعت أن عدتها انقضت فى أقل من شهرين إذا كانت من ذوات الحيض، قال‏:‏ لأنه ليس فى العادة أن تكون امرأة على أقل الطهر، وأقل الحيض، لأنه إذا كثر الحيض قل الطهر، وإذا قل الطهر كثر الحيض، وهذا قول أبى حنيفة‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا تُصدق فى أقل من تسعةٍ وثلاثين يومًا، وهو قول الثورى، وأبى يوسف، ومحمد، وذلك لأن أقل الحيض عندهما ثلاثة أيام، وأقل الطهر خمسة عشر يومًا‏.‏

وقال أبو ثور‏:‏ أقل ما يكون فى ذلك إذا طلقها فى أول الطهر سبعة وأربعون يومًا، وذلك أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا، وأقل الحيض يوم وذكر ابن أبى زيد عن سحنون أن أقل العدة أربعون ليلة‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ تُصَدَّق فى أكثر من اثنين وثلاثين يومًا، وذلك أن يطلقها زوجها وقد بقى من الطهر ساعة، فتحيض يومًا وتطهر خمسة عشر يومًا، ثم تحيض يومًا وتطهر خمسة عشر يومًا، فإذا دخلت فى الدم من الحيضة الثالثة، فقد انقضت عدتها‏.‏

وقال إسحاق، وأبو عبيد‏:‏ إن كانت أقراؤها معلومة قبل أن تبتلى حتى عرفها بطانة أهلها مما يرضى دينهن فإنها تُصدق، وإن لم تعرف ذلك، وكان أول ما رأت الحيض أو الطهر، فإنها لا تصدق فى أقل من ثلاثة أشهر، لأن الله جعل بدل كل حيضة شهرًا فى اللائى يئسن من المحيض، واللائى لم تحضن، فإذا أشكل على مسلم انقضاء عدة امرأة ردها إلى الكتاب والسنة‏.‏

ووجه الموافقة أنه ليس فى العادة أن تكون امرأة على أقل الطهر وأقل الحيض، لأن إذا كثر الحيض قل الطهر، وإذا قل الحيض كثر الطهر، فجعل لما ينحصر الأكثر، ولما لا ينحصر الأقل، وبدأ بالحيض‏.‏

وقال أبو يوسف، ومحمد‏:‏ لا تُصدق فى أقل من تسعة وثلاثين يومًا وهو قول الثورى، ووجه الموافقة بين الحديثين والترجمة هو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت دعى الصلاة قدر الأيام التى كنت تحيضين فيها-، فوكل ذلك إلى أمانتها وعادتها، وقدر الأيام قد يقل ويكثر على قدر أحوال النساء فى أسنانهن وبلدانهن إلا أنها إذا ادعت ما لا يكاد يعرف لم يقبل قولها إلا ببينة‏.‏

قال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ ألا ترى إلى قول علىّ وشريح فى ذلك، ولو كان عندهما أن ثلاث حيض لا تكون فى شهر لما قبلا قول نسائها، وهو معنى قول عطاء وإبراهيم، وقد فسر إسماعيل بن إسحاق قول علىّ وشريح بتفسير آخر، قال‏:‏ وليس قولهما عندنا‏:‏ تمت إن جاءت ببينة من بطانة أهلها- أنها قد حاضت هذا الحيض، وإنما هو فيما نرى، والله أعلم، أن تشهد نساء من نسائها أن هذا يكون، وقد كان فى نسائهن، فإنه أحرى أن يوجد فيهن مثل ما فيها، وأن يقارب حيضهن وحيضها، وأنه إن لم يوجد ما قالت من الحيض فى نسائها كانت هى منه أبعد، فعلى هذا معنى هذا الحديث، وهو يقوى مذهب أهل المدينة أن العدة إنما تحمل على المعروف من حيض النساء لا على المرأة والمرأتين الذى لا يكاد يوجد، ولا يعرف‏.‏

قال غيره‏:‏ والأشبه ما أراد علىّ وشريح، والله أعلم، بمعنى أن تكون حاضت، لقولهما‏:‏ إن جاءت ببينة من بطانة أهلها أنها حاضت، ولم يقولا‏:‏ أن غيرها من النساء حاض كذلك‏.‏

قال إسماعيل‏:‏ وفى قول علىّ وشريح أن أقل الطهر لا يكون خمسة عشر يومًا، وأن أقل الحيض لا يكون ثلاثة، كما قال أبو حنيفة وأصحابه، وليس فيه بيان لأقل الطهر، وأقل الحيض كم هو، غير أن فيه بيانًا أنهما لم ينكرا ما زعمه النساء فى ذلك‏.‏

قال غيره‏:‏ والمشهور عن مالك أنه لا حد عنده لأقل الطهر، ولا لأقل الحيض إلا ما تثبته النساء، وقد اختلف فى ذلك، ففى المدونة ما يدل أن أقل الطهر ثمانية أيام، وهو قول سحنون، وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، عن مالك‏:‏ أن أقل الطهر عشرة أيام‏.‏

وروى ابن الماجشون، عن مالك‏:‏ أن أقل الطهر خمسة، وأقل الحيض خمسة، إلا أنه قال‏:‏ هذا لا يكون فى حيض واحد، لأنه إذا قل الحيض كثر الطهر، وإذا قل الطهر كثر الحيض‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ أقل الحيض يوم وليلة، روى ذلك عن عطاء، وهو قول الشافعى، وأحمد، وأبى ثور‏.‏

وقال الأوزاعى‏:‏ عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية، وقال الأوزاعى‏:‏ يرون أنه جنس، تدع له الصلاة‏.‏

وقال محمد بن سلمة‏:‏ أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره خمسة عشر يومًا، وهو قول الشافعى فى أكثر الحيض‏.‏

وقال أبو حنيفة، والثورى‏:‏ أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة، وهو قول الشافعى، ومحمد بن مسلمة فى أقل الطهر، وهو الصحيح، لأن الله تعالى جعل عدة ذوات الأقراء ثلاثة قروء، وجعل عدة من لا تحيض من صغر أو كبر ثلاثة أشهر، فكان كل قرء عوضًا من شهر، والشهر يجمع الطهر والحيض، فإذا قل الطهر كثر الحيض، وإذا قل الحيض كثر الطهر، فلما كان أكثر الحيض خمسة عشر يومًا، وجب أن يكون بإزائه أقل الطهر خمسة عشر يومًا، ليكمل فى الشهر الواحد حيض وطهر، وهو المتعارف فى الأغلب من خلقة النساء، أو جبلتهن مع دلائل القرآن والسنة‏.‏

واحتج أهل العراق لقولهم‏:‏ إن الأقراء الحيض، بقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث فاطمة‏:‏ تمت ولكن دعى الصلاة قدر الأيام التى كنت تحيضين فيها-‏.‏

قالوا‏:‏ وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت دعى الصلاة أيام أقرائك-‏.‏

ولا يجوز أن يأمرها صلى الله عليه وسلم بترك الصلاة أيام طهرها، وإنما أمرها أن تترك الصلاة أيام الحيض، فيقال لهم‏:‏ ما أنكرتم أن يكون صلى الله عليه وسلم أمرها بترك الصلاة أيام أقرائها التى هى فيهن حائض، وأضاف الأيام إلى الأقراء والإطهار جميعًا، فكأنه قال‏:‏ تدع المستحاضة الصلاة الأيام التى كانت تحيضها من أقرائها، وهذا سائغ فى كلام العرب، لأن الأقراء عندهم اسم للطهر واسم للحيض، وسيأتى زيادة بيان فى هذا المعنى فى كتاب الطلاق فى العدة، إن شاء الله‏.‏

باب الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِى غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ

- فيه‏:‏ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ‏:‏ كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَة وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا‏.‏

ذهب جمهور العلماء فى معنى الحديث إلى ما ذهب إليه البخارى فى ترجمته، فقال أكثرهم‏:‏ الصفرة والكدرة حيض فى أيام الحيض خاصة، وبعد أيام المحيض ليست بشىء، روى هذا عن علىّ بن أبى طالب، وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، وإليه ذهب ربيعة، والثورى، والأوزاعى، والليث، وأبو حنيفة، ومحمد، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وإليه أشار البخارى فى هذا الباب‏.‏

وفيه قول ثان‏:‏ قال أبو يوسف‏:‏ لا تكون الصفرة والكدرة قبل الحيض حيضًا، وهى فى آخر الحيض حيض، وهو قول أبى ثور‏.‏

قالوا‏:‏ وهذا ظاهر الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت إذا أقبلت الحيضة، فدعى الصلاة-، والكدرة والصفرة فى آخر أيام الدم من الدم حتى ترى النقاء‏.‏

وفيه قول ثالث‏:‏ قال مالك فى المدونة‏:‏ الكدرة والصفرة حيض فى أيام الحيض وغيرها‏.‏

وهذا خلاف للحديث، ولا يوجد فى فتوى مالك أن الصفرة والكدرة ليست بشىء، على ما جاء فى الحديث، إلا التى انطبق دم حيضتها مع دم استحاضتها، ولم تميزه، فقال‏:‏ إذا رأت دمًا أسود فهو حيض، وإذا رأت صفرة أو كدرة، أو دمًا أحمر، فهو طهر تصلى له وتصوم بعد أن تغتسل، وأظنه لم يبلغه حديث أم عطية، والله أعلم‏.‏

والحجة لأهل المقالة الأولى‏:‏ أنهم قالوا‏:‏ لا يجوز أن يكون قول أم عطية‏:‏ تمت كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا-، عامًا فى أيام الحيض وغيرها لا يعد شيئًا لما قالته عائشة‏:‏ تمت لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء-‏.‏

ومعلوم أن هؤلاء النساء كن يرين عند إدبار المحيض صفرة وكدرة، فأخبرتهن أنها من بقايا الحيض، وأن حكم الصفرة والكدرة حكم الحيض، قالوا‏:‏ فلم يبق بحديث أم عطية معنى غير أنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا فى غير أيام المحيض، وقد جاء هذا المعنى فى حديث أم عطية مكشوفًا، روى حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أم الهذيل، عن أم عطية أنها قالت‏:‏ كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الغسل شيئًا‏.‏

باب عِرْقِ الاسْتِحَاضَةِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَقَالَ‏:‏ تمت هَذَا عِرْقٌ-، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ‏.‏

قال المهلب‏:‏ قوله‏:‏ تمت فهذا عرق- يدل أن المستحاضة لا تغتسل لكل صلاة كما زعم من أوجب ذلك، واحتج بهذا الحديث، لأن دم العرق لا يوجب غسلاً‏.‏

وقوله‏:‏ تمت فكانت تغتسل لكل صلاة-، يريد تغتسل من الدم الذى كان يصيب الفرج، لأن المشهور من قول عائشة أنها لا ترى الغسل لكل صلاة للمستحاضة، وقد ذكر الطحاوى عن يونس، عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة‏:‏ تمت أن أم حبيبة استحيضت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏- وذكر الحديث، قال الليث‏:‏ لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة، وقال غيره‏:‏ ومن ذكر حديث أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة، فليس بحجة على من سكت عنه، لأن الحفاظ من أصحاب ابن شهاب لا يذكرونه، وإيجاب الغسل عليها إيجاب فرض، والفرائض لا تثبت إلا بيقين، ولا يقين هنا من بينة ثابتة، ولا من إجماع، وإنما الإجماع فى إيجاب الغسل من الحيض‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ وقد قيل‏:‏ إن حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبى حبيش، لأن عائشة أفتت بحديث فاطمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم وخالفت حديث أم حبيبة، وقد علمت ما خالفه وما وافقه من قوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز عليها أن تدع الناسخ، وتفتى بالمنسوخ، بل الأمر بضد ذلك، فحديث فاطمة أول ما صير إليه فى هذا الباب ذكره الطحاوى‏.‏

وأما قوله‏:‏ تمت إن أم حبيبة استحيضت سبع سنين-، ففيه حجة لابن القاسم فى قوله‏:‏ إن من استحيضت، فتركت الصلاة جاهلة، وظنته حيضًا أنه لا إعادة عليها، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بإعادة صلوات السبعة الأعوام، ووجه ذلك أنها لما سألته فأمرها بالغسل، علم أنها لم تغتسل قبل، ولو اغتسلت لقالت‏:‏ إنى قد اغتسلت، فعلم أن فى السبعة الأعوام كانت عند نفسها حائضًا، فأمرها بالغسل من ذلك الحيض، ولم يأمرها بإعادة صلوات تلك المدة‏.‏

باب الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإفَاضَةِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ أن صَفِيَّةَ قَدْ حَاضَتْ، فَقَالَ لِهَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ طَافَتْ مَعَكُنَّ-‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى، قَالَ‏:‏ تمت فَاخْرُجِن‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ فِى أَوَّلِ أَمْرِهِ‏:‏ إِنَّهَا لا تَنْفِرُ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ، يَقُولُ‏:‏ تَنْفِرُ‏.‏

قوله‏:‏ تمت ألم تكن طافت معكن-، يريد يوم النحر، وهو طواف الإفاضة المفترض فى الحج‏.‏

ففيه من الفقه أن طواف الإفاضة يغنى عن طواف الوداع، لأنه غير واجب، ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يسأل إن كانت طافت لدخول مكة، وإنما سأل إن كانت طافت يوم النحر، فكما يغنى طواف الإفاضة عن كل طواف قبله، كذلك يغنى عن كل طواف بعده، فدل هذا على أن على الإنسان فى حجه كله طوافًا واحدًا، وهو طواف الإفاضة‏.‏

وقول ابن عباس‏:‏ تمت رخص للحائض أن تنفر-، يعنى إذا طافت طواف الإفاضة، وأما إذا لم تطفه فلا تنفر، ولا حج لها، وسيأتى بيان هذا كله فى كتاب الحج، إن شاء الله‏.‏

باب إِذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ

قَالَ‏:‏ ابْنُ عَبَّاسٍ تَغْتَسِلُ، وَلَوْ سَاعَةً وَتُصَلِّى، وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، والصَّلاةُ أَعْظَمُ‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِىُّ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَدَعِى الصَّلاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ، فَاغْسِلِى عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّى-‏.‏

قوله‏:‏ تمت إذا رأت المستحاضة الطهر-، يريد إذا أقبل دم الاستحاضة الذى هو دم عرق، الذى يوجب الغسل والصلاة، وميزته من دم حيضتها فهو طهر من الحيض، فاستدل من هذا أن لزوجها وطؤها، وجمهور الفقهاء وعامة العلماء بالحجاز والعراق على جواز وطء المستحاضة‏.‏

ومنع من ذلك قوم، روى ذلك عن عائشة، قالت‏:‏ تمت المستحاضة لا يأتيها زوجها-، وهو قول النخعى، والحكم، وابن سيرين، وسليمان بن يسار، والزهرى، قال الزهرى‏:‏ إنما سمعنا بالرخصة فى الصلاة‏.‏

وحجة الجماعة‏:‏ أن دم الاستحاضة ليس بأذى يمنع الصلاة والصوم، فوجب أن لا يمنع الوطء‏.‏

وقول ابن عباس‏:‏ تمت الصلاة أعظم من الجماع-، من أبين الحجة فى ذلك، وقد نزع بمثلها سعيد بن جبير، ولا يحتاج إلى غير ما فى هذا الباب‏.‏

باب الصَّلاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا

- فيه‏:‏ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِى بَطْنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ وَسَطَهَا‏.‏

يحتمل أنه قصد فى هذا الباب أن النفساء، وإن كانت لا تصلى أنها طاهر، لها حكم غيرها من النساء ممن ليست نفساء، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا صلى عليها أوجب لها حكم الطهارة، وإنما امتناعها من الصلاة ما دام بها الدم، عبادة لا على طريق التنجيس، وهذا يرد على من ذهب إلى أن ابن آدم ينجس بموته، لأن النفساء التى صلى عليها النبى صلى الله عليه وسلم، وأبان لنا سنته فيها جمعت الموت، وحمل النجاسة بالدم اللازم لها، فلما لم يضرها ذلك كان الميت الطاهر الذى لا تسيل منه نجاسة أولى بإيقاع اسم الطهارة عليه‏.‏

وأشار إلى شىء من هذا المعنى ابن القصار، وذكر أن لبعض أصحاب مالك فى العتبية‏:‏ أن ابن آدم طاهر إذا مات‏.‏

قال‏:‏ واختلف فيه قول الشافعى، قال‏:‏ والصواب عندى أنه طاهر، ونزع أن الصلاة عليه بعد موته تكرمة له وتعظيم، فخرج بها عن حكم الإنجاس‏.‏

باب

- فيه‏:‏ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لا تُصَلِّى، وَهِىَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُصَلِّى عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِى بَعْضُ ثَوْبِهِ‏.‏

وهذا الباب كالذى قبله يدل أن الحائض ليست بنجس، لأنها لو كانت نجسًا لما وقع ثوبه عليها وهو يصلى، ولا قربت من موضع مصلاه‏.‏

وفيه‏:‏ أن الحائض تقرب من المصلى، ولا يضر ذلك صلاته ولا يقطعها، لأنها كانت تقرب قبلته، أنه لا يصيبها بثوبه عند سجوده إلا وهى قريب منه‏.‏

وأقولا ما يستدل به على طهارة الحائض مباشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه وهن حيِّض فيما فوق المئزر، إلا أنها، وإن كانت طاهرًا، فإنه لا يجوز لها دخول المسجد بإجماع، لأمره فى العيدين باعتزال الحيض المصلى‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

كِتَاب التَّيَمُّمِ

قَوْلُه تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً، فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ‏:‏ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِى، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا‏:‏ أَلا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ‏؟‏ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِى، قَدْ نَامَ، فَقَالَ‏:‏ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ‏؟‏ فَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ فَعَاتَبَنِى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِى بِيَدِهِ فِى خَاصِرَتِى، فَلا يَمْنَعُنِى مِنَ التَّحَرُّكِ إِلا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِى، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ‏:‏ مَا هِىَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِى بَكْرٍ‏؟‏‏.‏

قَالَتْ‏:‏ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِى كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ‏.‏

- وفيه‏:‏ جَابِر، قَالَ النَّبِىّ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت أُعْطِيتُ خَمْسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِى، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِىَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِى أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ، فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِى، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِىُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً-‏.‏

قال المؤلف‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتيمموا صعيدًا طيبًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏ يعنى اقصدوا وتعمدوا، تقول العرب‏:‏ يَمَّمت كذا إذا قصدته، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا آمين البيت الحرام‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 2‏]‏، يعنى قاصدين‏.‏

واختلف أهل التأويل فى الصعيد ما هو‏؟‏‏.‏

فقال قتادة‏:‏ الصعيد الأرض التى ليس فيها شجر ولا نبات، وقال ابن دريد‏:‏ الصعيد المستوى، وقال غيره‏:‏ الصعيد التراب‏.‏

وقوله‏:‏ تمت طيبًا-، يعنى طاهرًا، واختلف الفقهاء فى الصعيد الذى يجوز به التيمم، فقالت طائفة‏:‏ يجوز التيمم على كل أرض طاهرة، سواء كانت حجرًا لا تراب عليها، أو عليها تراب، أو رمل، أو زرنيخ، أو تورة، أو غير ذلك‏.‏

هذا قول مالك، وأبى حنيفة، ومحمد‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ لا يجوز التيمم على صخر لا تراب عليه، وهو قول الشافعى، والتراب عندهما شرط فى صحة التيمم‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ ولما اختلفوا فى ذلك، ولم نجد لما اختلفوا فيه دليلاً فى الكتاب التمسناه فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدنا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت جعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا-، فلما أخبر أن الله جعل له الأرض مسجدًا وطهورًا، وكان المراد بالمسجد الصلاة عليها، والمراد بالطهور التيمم بها كانت كل أرض جازت الصلاة عليها جاز التيمم بها‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ والدليل على أن المراد الأرض كلها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت فأيما رجل أدركته الصلاة، فليصل-، ولم يخص موضعًا منها دون موضع، وقد يدركه فى موضع منها من الأرض لا تراب عليه فيه رمل، أو جص كما تدركه فى أرض عليها تراب‏.‏

فإن قيل‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏ شرط الممسوح به لأنه لا يقال‏:‏ مسح منه إلا إذا أخذ منه جزءًا، وهذه صفة التراب لا صفة الجبل الذى لا يمكن الأخذ منه‏.‏

فالجواب‏:‏ أنه لا يجوز أن تكون تمت منه- صلة فى الكلام كقوله‏:‏ ‏(‏وننزل من القرآن ما هو شفاء‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 82‏]‏، والقرآن كله شفاء‏.‏

ولو سلمنا أنه أراد غير الصلة لقلنا‏:‏ إنه أراد ب تمت منه- الموضع الطاهر من الصعيد الذى يجوز السجود عليه، ولو أراد بالصعيد التراب لقال تعالى‏:‏ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم به‏.‏

ولم يقل‏:‏ منه، فلما قال‏:‏ منه، دل أنه أراد مما تصاعد من الأرض، ولم يخص بعض ما تصاعد منها دون بعض‏.‏

وقال ابن الأعرابى‏:‏ الصعيد اسم للأرض، واسم للتراب، واسم للطريق، واسم للقبر، فإذا تناول كل واحد من هذه حقيقة، فيجعل للعموم فى جميعها‏.‏

فإن قالوا‏:‏ قد روى فى الحديث‏:‏ تمت جعلت لى الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا-، وهذا نص فى التراب، فدل أن غير التراب ليس بطهور، والتراب زيادة يجب قبولها، والحديث رواه ابن أبى شيبة، عن محمد بن فضيل، عن أبى مالك الأشجعى، عن ربعى بن حراش، عن حذيفة، عن النبى صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال الأصيلى‏:‏ انفرد أبو مالك الأشجعى بذكر التراب فى هذا الحديث، ولا اعتداد بمن خالفه الناس، فكذلك ما يذكرونه فى حديث أبى ذر‏:‏ تمت التراب كافيك، ولو إلى عشر سنين-، المشهور من رواية الثقات عن أبى قلابة، وابن سيرين‏:‏ تمت الصعيد كافيك، ولو إلى عشر سنين-، وكذلك فى حديث أبى رجاء، عن عمران بن حصين، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ تمت عليك بالتراب، فإنه كافيك-‏.‏

وقولكم‏:‏ إن التراب زيادة يجب قبولها، فإننا نقول بالزائد والمزيد عليه، فيجوز الأمرين جميعًا، وهذه زيادة فى الحكم لا محالة، فهى أولى من الاقتصار على الزائد فقط‏.‏

فإن قالوا‏:‏ إن الحجر والجص معدن من الأرض، فلا يجوز التيمم به كالحديد والذهب والفضة، قيل‏:‏ الصعيد عندنا هو الأرض نفسها، فالتيمم يقع عليها سواء كانت جصية أو رملية، فأما على الجص مفردًا، أو الكحل مفردًا، أو الزرنيخ مفردًا، فلا يجوز التيمم به، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏صعيدًا زلقًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 40‏]‏، و‏)‏ صعيدًا جرزًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 8‏]‏، والجرز الأرض الغليظة التى لا تنبت شيئًا‏.‏

وقد جوز الشافعى التيمم على السباخ اليابسة، ولا غبار عليها يعلق باليد، فكذلك ينبغى أن يجوز فى غيرها مما لا تراب عليه‏.‏

وقال المهلب‏:‏ فى حديث عائشة من الفقه‏:‏ السفر بالنساء‏.‏

وفيه‏:‏ النهى عن إضاعة المال، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقام على تفتيش العقد بالعسكر ليلةً، وقد ذكر فى غير هذا الحديث أن العقد كان لأختها، وكان ثمنه اثنى عشر درهمًا‏.‏

وفيه‏:‏ شكوى المرأة إلى أبيها، وإن كان لها زوج‏.‏

وفيه‏:‏ الإنصاف منها، وإن كان لها زوج‏.‏

وفيه‏:‏ أن للأب أن يدخل على ابنته وزوجها معها إذا علم أنها معه فى غير خلوة مباشرة، وأن له أن يعاتبها فى أمر الله، وأن يضربها عليه‏.‏

وفيه‏:‏ أنه يعاتب من نسب إلى ذنب أو جريمة، كما عاتب أبو بكر ابنته على حبس النبى صلى الله عليه وسلم والناس بسببها‏.‏

وفيه‏:‏ نسبة الفعل إلى من هو سببه، وإن لم يفعله، لقولهم‏:‏ ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس، وليسوا على ماء‏.‏

فنسب الفعل إليها إذْ كانت سببه‏.‏

قال غيره‏:‏ وقولهم‏:‏ تمت ليس معهم ماء-، دليل أن الوضوء قد كان لازمًا لهم قبل ذلك، وأنهم لم يكونوا يصلون بغير وضوء قبل نزول آية التيمم، ألا ترى قوله‏:‏ فأنزل الله آية التيمم، وهى آية الوضوء التى فى المائدة، والآية التى فى النساء، وليس التيمم مذكورًا فى غير هاتين الآيتين، وهما مدنيتان، ومعلوم أن غسل الجنابة لم يفترض قبل الوضوء، كما أنه معلوم عند جميع أهل السير أن الصلاة فرضت بمكة، والغسل من الجنابة، وأنه لم يصلِّ قط إلا بوضوء مثل وضوئه بالمدينة، ونزلت آية الوضوء، ليكون فرضها التقدم متلوا فى التنزيل، فقولهم‏:‏ تمت نزلت آية التيمم-، ولم يذكر الوضوء يدل أن الذى طرأ عليهم من العلم فى ذلك حكم التيمم لا حكم الوضوء، وذلك رفق من الله بعباده أن أباح لهم التيمم بالصعيد عند عدم الماء، وكذلك قال أسيد بن الحضير‏:‏ تمت ما هى بأول بركتكم يا آل أبى بكر-‏.‏

قال المهلب‏:‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت جعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا-، والذى خُصَّ به من ذلك صلى الله عليه وسلم أن جعلت طهورًا للتيمم، ولم يكن ذلك للأنبياء قبله، وأما كونها مسجدًا، فلم يأت فى أثر أنها منعت من غيره، وقد كان عيسى صلى الله عليه وسلم يسيح فى الأرض ويصلى حيث أدركته الصلاة، فكأنه قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ جعلت لى الأرض مسجدً وطهورًا، وجعلت لغيرى مسجدًا، ولم تجعل له طهورًا‏.‏

وفى قوله‏:‏ تمت فأيما رجل أدركته الصلاة، فليصل-، يعنى يتيمم ويصلى، دليل على تيمم الحضرى إذا عُدم الماء، وخاف فوت الصلاة‏.‏

وفيه‏:‏ ما خصه الله تعالى به من الشفاعة، ويدل أنه لا يشفع فى أحد يوم القيامة إلا شُفِّع فيه‏.‏

قوله فى حديث الشفاعة‏:‏ تمت قل يا محمد نسمع، واشفع تشفع، وسل تعط-، ولم يعط ذلك من قبله من الأنبياء، ولا تكون الشفاعة إلا فى المذنبين المستحقين للعقوبة، لأن من لا يستحق العقوبة لا يحتاج إلى الشفاعة‏.‏

وقوله‏:‏ تمت بعثت إلى الناس كافة-، دليل أن الحجة تلزم بالخبر، كما تلزم بالمشاهدة، وذلك أن الآية المعجزة باقية مساعدة للخبر، مبينة له، رافعة لما يخشى من آفات الأخبار، وهى القرآن الباقى، ولذلك خص الله نبيه ببقاء آيته، لبقاء دعوته، ووجوبها على من بلغته إلى آخر الزمان‏.‏

باب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلا تُرَابًا

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلادَةً، فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلا، فَوَجَدَهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاةُ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ‏:‏ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إِلا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا‏.‏

قال المؤلف‏:‏ الذى لا يجد ماءً ولا ترابًا هو المكتوف والمحبوس والمهدوم عليه والمعطوب ومن أشبههم تحضره الصلاة، فاختلف العلماء فى ذلك، فقالت طائفة‏:‏ يصلون إيماءً بغير وضوء ولا تيمم، كصلاة الطالبين للعدو، ولا إعادة عليهم‏.‏

ذكر ابن أبى زيد أن هذا قول ابن نافع وسحنون، وحكاه ابن القصار، عن أشهب والمزنى، وذكره ابن المنذر، عن أبى ثور‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ يصلون وعليهم الإعادة، هذا قول الثورى، وابن القاسم، وأكثر أصحاب مالك، وهو قول أبى يوسف، ومحمد، والشافعى‏.‏

وقال ابن خويز منداد‏:‏ روى المدنيون عن مالك فيمن لا يقدر على الماء، ولا على الصعيد حتى يخرج الوقت، أنه لا يصلى ولا إعادة عليه والصلاة عنه ساقطة، قال‏:‏ وهو الصحيح من مذهب مالك‏.‏

وروى معن بن عيسى عن مالك فى الذى يكتفه الوالى ويمنعه من الصلاة، حتى يخرج وقتها، أنه لا إعادة عليه، وهذا القول اختيار ابن القصار، وحكى أنه مذهب أبى حنيفة‏.‏

ووجه القول الأول، أنهم يصلون ولا قضاء عليهم، أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين طلبوا العقد حين صلوا بغير وضوء ولا تيمم بالإعادة‏.‏

قال المهلب‏:‏ إن حُكْمنا فى عدم الشرعين، الوضوء والتيمم، كحكمهم فى عدم الشرع الواحد، وهو الوضوء الذى كان عليهم، فلما ساغ لهم الصلاة بالتيمم بغير وضوء، ساغ لنا الصلاة بغير تيمم ولا وضوء‏.‏

وقال أبو ثور‏:‏ القياس فيمن لم يقدر على الطهارة أن يصلى ولا يعيد، كمن لم يقدر على الثوب وصلى عريانًا الصلاة لازمة له، يصلى على ما يقدر، ويؤدى ما عليه بقدر طاقته‏.‏

وقال ابن القصار‏:‏ كل من أدّى فرضه على ما كلفه لم يلزمه إعادة، كالمستحاضة، ومن به سلس البول، والعاجز عن أركان الصلاة يصلى على حسب حاله، وكالمسايف، والمسافر يحبس الماء خوفًا على نفسه من العطش، يتيمم ويصلى، كل هؤلاء إذا صلوا على حسب تمكنهم لم تجب عليهم إعادة‏.‏

ووجه قول من قال‏:‏ يصلون وعليهم إعادة الصلاة‏:‏ فإنهم احتاطوا للصلاة فى الوقت على حسب الاستطاعة لاحتمال قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت لا يقبل الله صلاة بغير طهور-، لمن قدر عليه، ولم يكونوا على يقين من هذا التأويل فرأوا الإعادة واجبة مع وجود الطهارة، إذ ليس فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالإعادة، وقد يحتمل أن يكون أمرهم ولم ينقل ذلك، والله أعلم‏.‏

ووجه قول الذين قالوا‏:‏ لا يصلون حتى يجدوا ماءً أو ترابًا‏:‏ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ تمت لا تقبل الصلاة بغير طهور-، وليس فرض الوقت بأوكد من فرض الطهور‏.‏

وأما رواية معن، عن مالك التى اختارها ابن القصار، فإنه قال‏:‏ وجه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت لا يقبل الله صلاة بغير طهور-، قال‏:‏ وهذا دليل على سقوط حكمها إذا صلى بغير طهور، فإذا سقط عنه أن يصلى بغير طهور، ومعه عقله لم يجب عليه قضاء كالحائض، وأيضًا فلو وجب عليه ابتداءً الدخول فى الصلاة لو كان طاهرًا لوجب أن يسقط فرضه، فلما قالوا‏:‏ لا يسقط فرضه، لم تجب عليه، ولو وجب عليه أن يبتدئ الصلاة حتى يتمها ويقضى، لأوجبنا عليه صلاتى فرض من جنس واحد فى يوم واحد، وهذا لا يجوز‏.‏

وأما قوله‏:‏ تمت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فوجدها-، فإنه يعارض ما رواه القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت‏:‏ تمت فبعثنا البعير الذى كنت عليه، فأصبنا العقد تحته-، وقد حمل إسماعيل بن إسحاق على هشام بن عروة، وجعل حديثه مناقضًا لحديث عبد الرحمن بن القاسم‏.‏

قال أبو عبد الله بن أبى صفرة‏:‏ وليس بمناقض، ويحتمل أن يكون قوله‏:‏ تمت فبعث رجلاً-، يعنى أسيدًا، فوجدها أسيد بعد رجوعه من طلبها، ويحتمل أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم وجدها عند إثارة البعير بعد انصراف المبعوثين من موضع طلبها، ويتفق الحديثان بغير تعارض، والحمد لله‏.‏

باب التَّيَمُّمِ فِى الْحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، وَخَافَ فَوْتَ الصَّلاةِ

وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ‏.‏

وقال الْحَسَنُ، فِى الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ، وَلا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ‏:‏ يَتَيَمَّمُ‏.‏

وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَحَضَرَتِ الْعَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ، فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو جُهَيْمِ، أَقْبَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

واختلف العلماء فى الحضرى يخاف فوات الصلاة إن علاج الماء، هل له أن يتيمم‏؟‏‏.‏

فقال مالك‏:‏ يتيمم ويصلى ولا يعيد، وهو قول الأوزاعى، والثورى، وأبى حنيفة، ومحمد‏.‏

وروى عن مالك‏:‏ أنه يصلى بالتيمم ويعيد الصلاة، وهو قول الليث، والشافعى‏.‏

وروى عن مالك أنه يعالج الماء، وإن طلعت الشمس، وهو قول أبى يوسف، وزفر، قالا‏:‏ لا يصلى أصلا ويتعلق الفرض بذمته إلى أن يقدر على الماء، لأنه لا يجوز التيمم عندهما فى الحضر، واحتجا بأن الله جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر، ولم يبحه إلا بشرط المرض والسفر، فلا دخول للحاضر ولا للصحيح فى ذلك، لخروجهما من شرط الله‏.‏

واحتج من قال‏:‏ يتيمم ويصلى ويعيد، قال‏:‏ لأنا قد رأينا من يفعل ما أمر به ولا تسقط عنه الإعادة، وهو واقع موقع فساد، مثل من أفسد حجه أو صومه المفترض عليه، فإنه مأمور بالمضى فيه فرض عليه ومع هذا فعليه الإعادة، وأيضًا فإن المسافر والمريض قد أبيح لهما الفطر فى رمضان، ففعلا المأمور به ولم يسقط عنهما القضاء، كذلك الحاضر إذا تيمم وصلى لا يسقط عنه القضاء‏.‏

واحتج عليه من قال‏:‏ يتيمم ويصلى ولا يعيد، وهم أهل المقالة الأولى، فقالوا‏:‏ هذاسهو، لأن الفطر رخصة لهما ولم يفعلا الصوم، والمتيمم فعل الواجب وفعل الصلاة، فلو رخص له فى الخروج من الصلاة كما رخص للمسافر فى الفطر لوجب عليه القضاء‏.‏

وأما من أفسد حَجَّه أو صومه فإنما أمر بالمضى فيه عقوبة لإفساده له، ثم وجب عليه قضاؤه، ليؤدى الفرض كما أمر به‏.‏

والحاضر إذا تعذر عليه الماء، وخاف فوت الصلاة صار مطيعًا بالتيمم والصلاة ابتداءً، ولم يفسد شيئًا يجب معه عليه القضاء‏.‏

والحجة لأهل المقالة الأولى فى أنه لا إعادة عليه ما ذكره البخارى عن ابن عمر أنه تيمم بمربد النعم وهو فى طرف المدينة، لأنه خشى فوت الوقت الفاضل ولم يجد ماء، ثم صلى، وهو حجة للحاضر يخاف فوت الوقت كله أنه يجوز له التيمم، لأنه لما جاز لابن عمر التيمم والصلاة، ثم دخل المدينة وقد بقى عليه من الوقت بقية، ولم يعد الصلاة، كمان أحرى أن يجوز التيمم والصلاة للحضرى يخاف خروج الوقت كله‏.‏

قال المهلب‏:‏ وأما حديث بئر جمل، فإن فيه التيمم فى الحضر، إلا إنه لا دليل فيه أنه رفع بذلك التيمم الحدث رفعًا استباح به الصلاة، لأنه أراد أن يجعله تحية لرد السلام، إذ كره أن يذكر الله على غير طهارة، هكذا رواه حماد بن سلمة فى مصنفه فى هذا الحديث‏.‏

قال المؤلف‏:‏ فذكرت هذا لبعض أهل العلم، فقال لى‏:‏ وهو وإن كان كما ذكره المهلب فإنه يستنبط منه جواز التيمم فى الحضر، إذا لم يستطع الوصول إلى الماء، وخاف فوات الصلاة، لأنه لما تيمم فى الحضر لرد السلام، وكان له أن يرد صلى الله عليه وسلم قبل تيممه، استدل منه أنه إذا خشى فوات الصلاة فى الحضر أن له التيمم، بل ذلك أوكد، لأنه لا يجوز له الصلاة بغير وضوء ولا تيمم، ويجوز له أن بغير وضوء ولا تيمم، وأيضًا فإن التيمم إنما ورد فى المسافرين والمرضى لإدراك وقت الصلاة وخوف فوته، فكل من لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة، تيمم إن كان مسافرًا أو مريضًا بالنص، وإن كان حاضرًا صحيحًا بالمعنى، وهذا دليل قاطع‏.‏

وقد احتج الطحاوى بهذا الحديث فى جواز التيمم للجنازة إذا خاف فوت الصلاة عليها‏.‏

وهو قول الكوفيين، والليث، والأوزاعى‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ فتيمم صلى الله عليه وسلم لرد السلام فى المصر وهو فرض لخوف الفوت، لأنه لو فعل بعد التراخى لم يكن جوابًا‏.‏

فإن قيل‏:‏ ليست الطهارة شرطًا فى صحة رد السلام‏؟‏ قيل‏:‏ قد ثبت لهذه الطهارة حكم لولاه لم يفعلها النبى صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن ثبت حكم التيمم فى هذه الحالة لما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ومنع مالك، والشافعى، وأحمد بن حنبل، الصلاة على الجنائز بالتيمم‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ وفى تيمم النبى صلى الله عليه وسلم بالجدار رد على أبى يوسف، والشافعى فى قولهما‏:‏ إن التراب شرط فى صحة التيمم، لأنه صلى الله عليه وسلم تيمم بالجدار، ومعلوم أنه لم يعلق بيده منه تراب إذ لا تراب على الجدار، وقد تقدم فى باب ما يقول عند الخلاء زيادة فى معنى تركه صلى الله عليه وسلم لرد السلام حين تيمم بالجدار، كرهنا تكراره فتأمله هناك إن شاء الله‏.‏

والمربد والجرين، والبيدر الأندر‏.‏

باب هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا

- فيه‏:‏ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ‏:‏ إِنِّى أَجْنَبْتُ، فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏:‏ أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِى سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ، أَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ، فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا-، فَضَرَبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الأرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ‏.‏

اختلف العلماء فى نفض اليدين من التيمم فكان الشعبى يقول بنفضهما وهو قول الكوفيين، وقال مالك أيضًا‏:‏ نفضًا خفيفًا‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ لا بأس أن ينفضهما إذا بقى فى يديه غبار يماس الوجه وهو قول إسحاق‏.‏

وقال أحمد‏:‏ لا يضر فعل أو لم يفعل وكان ابن عمر لا ينفض يديه‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه من الفقه أن المتأول لا إعادة عليه ولا لوم، ألا ترى أن عمارًا قال‏:‏ تمت أما أنا فتمرغت فى التراب-، لأنه تأول أن التيمم للوجه والكفين، لا يجزئ فى الجنابة، كما يجزئ فى الوضوء وكان فى السفر، فلم يأمره النبى صلى الله عليه وسلم بإعادة التيمم والصلاة لأنه عمل أكثر مما كان يجب عليه فى التيمم، بل أخبره أنه كان يجزئه ضربة للوجه والكفين عن غسل الجنابة، وسيأتى الخلاف فى تيمم الجنب بعد هذا، إن شاء الله‏.‏

باب التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ

- فيه‏:‏ عَمَّارٌ قال لعمر‏:‏ تَمَعَّكْتُ، فَأَتيت النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ تمت يَكْفِيكَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ‏.‏

- وقَالَ عَمَّارٌ مرة‏:‏ فَضَرَبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الأرْضَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ‏.‏

اختلف العلماء فى حد مسح الكفين فى التيمم، فقال قوم‏:‏ هو إلى الكوعين روى هذا عن على بن أبى طالب وسعيد بن المسيب، والأعمش، وعطاء، وهو قول الأوزاعى، وأحمد، وإسحاق‏.‏

وروى ابن القاسم عن مالك أنه إن تيمم إلى الكوعين أعاد فى الوقت وهذا يدل أن التيمم إلى المرفقين مستحب عنده‏.‏

وقال قوم‏:‏ التيمم إلى المرفقين‏.‏

روى هذا عن ابن عمر، وجابر، والنخعى، والحسن، وهو قول مالك، وأبى حنيفة وأصحابه والثورى، والليث، والشافعى، قالوا‏:‏ لا يجزئه إلا ضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، ولا يجزئه دون المرفقين‏.‏

وقال الزهرى‏:‏ هو إلى الآباط‏.‏

واحتج الزهرى بما رواه عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، قال‏:‏ تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى المناكب، رواه جويرية، عن مالك، عن ابن شهاب‏.‏

وحجة من ذهب إلى أن المراد مسحهما إلى المرفقين فما رواه الثورى عن سلمة بن كهيل، عن أبى مالك، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار بن ياسر، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ تمت إنما كان يكفيك هكذا، وضرب بيديه، ثم نفخهما ومسحهما بوجهه وكفيه وذراعيه إلى نصفيهما-‏.‏

وأنصاف الذراعين عندهم هو نهاية المرفقين، ومن جهة النظر أن التيمم بدل من الوضوء، ولما أجمعوا أن الوضوء إلى المرفقين، وجب أن يكون التيمم كذلك‏.‏

وكان من حجة من ذهب إلى أن المسح إلى الكوعين قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 38‏]‏، قال ابن القصار‏:‏ واسم اليد تخصيص إلى الكوعين، لقطع النبى صلى الله عليه وسلم، والمسلمين بعده من الكوع مع إطلاق اسم اليد فى الآية، والحكم إذا تعلق بما هذه صفته تعلق بأول الاسم وأخصه‏.‏

واحتجوا من الآثر بقوله فى حديث عمار‏:‏ تمت أن النبى ضرب بيده الأرض، ثم مسح بهما وجهه وكفيه-‏.‏

قالوا‏:‏ وهذا توقيف من النبى صلى الله عليه وسلم، لعمار على المراد من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏ يرفع الإشكال‏.‏

ويدل على ذلك أيضًا حديث أبى جهيم‏:‏ تمت حين تيمم النبى صلى الله عليه وسلم، على الجدار فمسح وجهه ويديه-، وما روى أنه مسح الذراعين إلى المرافق، فنحمله على الاستحباب، وأما التيمم إلى المناكب، فالأمة فى جميع الأمصار على خلافه‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ ولم يرو عن أحد من المتقدمين غير ابن شهاب، وليس فى حديث ابن شهاب، عن عمار أن النبى صلى الله عليه وسلم، أمرهم بالتيمم إلى المناكب، ولا أنه تيمم هو كذلك، فيكون فيه حجة، بل الآثار أنه تيمم إلى الكوعين وإلى المرفقين‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ وأما النظر فى ذلك، فرأينا التيمم قد أسقط عن بعض أعضاء الوضوء، وهو الرأس والرجلان، فكان التيمم على بعض ما عليه الوضوء، فبطل بذلك قول من قال‏:‏ إنه إلى المناكب، لأنه لما بطل على الرأس والرجلين، وهم مما يتوضآن كان أحرى ألا يجب على ما لا يتوضأ‏.‏

باب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ

وَقَالَ الْحَسَنُ وابن عَبَّاس‏:‏ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ‏.‏

وقال يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ‏:‏ لا بَأْسَ بِالصَّلاةِ عَلَى السَّبَخَةِ، وَالتَّيَمُّمِ بِهَا‏.‏

- فيه‏:‏ عِمْرَانَ قَالَ‏:‏ كُنَّا فِى سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ وَإِنَّا سْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً، وَلا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلانٌ ثُمَّ فُلانٌ ثُمَّ فُلانٌ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ، فَنَسِىَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَامَ، لَمْ نُوقَظْه حَتَّى يَكُونَ هُوَ المسْتَيْقِظُ، لأنَّا لا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِى نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلا جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، قَالَ‏:‏ تمت لا ضَيْرَ، أَوْ لا يَضِيرُ، ارْتَحِلُوا-، فَارْتَحَلَوا، فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى بِالنَّاس، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاتِهِ، إِذْ هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ‏:‏ تمت مَا مَنَعَكَ يَا فُلانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ-‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَصَابَتْنِى جَنَابَةٌ، وَلا مَاءَ، قَالَ‏:‏ تمت عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ-، ثُمَّ سَارَ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلانًا كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ، نَسِيَهُ عَوْفٌ، وَدَعَا عَلِيًّا، فَقَالَ‏:‏ تمت اذْهَبَا، فَابْتَغِيَا الْمَاءَ-، فَانْطَلَقَا، فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالا لَهَا‏:‏ أَيْنَ الْمَاءُ‏؟‏ فقَالَتْ‏:‏ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا، قَالا لَهَا‏:‏ انْطَلِقِي إِذًا، قَالَتْ‏:‏ إِلَى أَيْنَ‏؟‏ قَالا‏:‏ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتِ‏:‏ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ‏؟‏ قَالا‏:‏ هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، فَانْطَلِقِي، فَجَاءَا بِهَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ‏.‏

قَالَ‏:‏ تمت فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا-، وَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ أَوْ السَطِيحَتَيْنِ، وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْتَقُوا واسْقُوا، فَسَقَى مَنْ سقى، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرُ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، قَالَ‏:‏ تمت اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ-، وَهِيَ قَائِمَةٌ، تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، قَالَ النَّبِىُّ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت اجْمَعُوا لَهَا-، فَجَمَعُ لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوه فِي الثَوْب، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا، قَالَ لَهَا‏:‏ تمت تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى أَسْقَانَا-، فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ، قَالُوا‏:‏ مَا حَبَسَكِ يَا فُلانَةُ‏؟‏ قَالَتِ‏:‏ الْعَجَبُ لَقِيَنِى رَجُلانِ، فَذَهَبَا بِى إِلَى هَذَا الرَّجُل الَّذِى يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا، وَكَذَا فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ، وَهَذِهِ، وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ، تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأرْضَ، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا‏:‏ مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإسْلامِ‏؟‏ فَأَطَاعُوهَا، فَدَخَلُوا فِي الإسْلامِ‏.‏

قال المهلب‏:‏ قوله للجنب‏:‏ تمت عليك بالصعيد فإنه يكفيك من الماء-، فيحتمل أن يكفيه ما لم يحدث إذا لم يجد ماء كما يكفيه الوضوء، وإنما قال أهل العلم‏:‏ إنه يتيمم لكل صلاة خوفًا أن يضيع طلب الماء ويتكل على التيمم ويأنسوا إلى الأخف، ويحتمل أن يكفيه لتلك الصلاة وحدها، لأنها هى التى يستباح فيها خوف فوات وقتها‏.‏

واختلف العلماء فى ذلك فقالت طائفة‏:‏ يصلى بالتيمم ما لم يحدث جميع الصلوات وروى ذلك عن عطاء، والحسن البصرى، والنخعى، والزهرى، والثورى، والكوفيين‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة، وعليه أن يتيمم لكل صلاة، روى ذلك عن على، وابن عمر، وعمرو بن العاص، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والشعبى، ومكحول، وربيعة، وهو قول مالك، والليث، والشافعى، وأحمد، وإسحاق‏.‏

وفيها قول ثالث‏:‏ أن من صلى الصلوات فى أوقاتهن يتيمم لكل صلاة، وإذا فاتته صلوات صلاها بتيمم واحد، روى هذا عن مالك، وهو قول أبى ثور‏.‏

واحتج الكوفيون فقالوا‏:‏ التيمم مرتب على الوضوء، فلما قامت الدلالة على أنه يصلى صلوات كثيرة بوضوء واحد، كان التيمم مثله‏.‏

وحجة من أوجب التيمم لكل صلاة، قالوا‏:‏ إن الله أوجب على كل قائم إلى الصلاة طلب الماء، لقوله‏:‏ ‏(‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 43، المائدة‏:‏ 6‏]‏، وحقيقة هذا أنه لا يقال لمن لم يطلب الشىء لم يجده، وأوجب عند عدمه التيمم عند دخول وقت صلاة أخرى مثل ما عليه فى الأولى، وليست الطهارة بالصعيد مثل الطهارة بالماء، وإنما هى طهارة ضرورة لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت بدليل بطلانها بوجود الماء قبل الصلاة، وأن الجنب يعود جنبًا بعدها إذا وجد الماء، والوضوء بالماء لا يبطل، فلذلك أمر من صلى، به أن يطلب الماء لصلاة أخرى‏.‏

وقال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ المتيمم لا يشبه المتوضئ، لأن المتوضئ له أن يتوضأ للصلاة قبل وقتها، والمتيمم لا يجوز له ذلك، فإذا لم يجز له أن يتيمم للعصر حتى يدخل وقتها، وجب ألا يكون التيمم للعصر يجزئ للمغرب، إذ كان متيممًا لها قبل وقتها، لأن العلة المانعة من المتيمم للعصر قبل وقتها هى المانعة له من المغرب‏.‏

وأما إمامة المتيمم للمتوضيئن، فهو قول مالك، وأبى حنيفة، وأبى يوسف، وزفر، والثورى، والشافعى‏.‏

وقال الأوزاعى، ومحمد بن الحسن‏:‏ لا يؤم متيمم متوضئًا، وروى ذلك عن علىّ، والنخعى‏.‏

واحتج مالك فى ذلك، فقال‏:‏ من قام إلى الصلاة، فلم يجد ماءً فتيمم، فقد أطاع الله، وليس الذى وجد الماء بأطهر منه، ولا أتم صلاة، لأنهما أمرا جميعًا، فكل عَمِلَ بما أمره الله‏.‏

وحجة الأوزاعى‏:‏ أن شأن الإمامة الكمال، ومعلوم أن الطهارة بالصعيد طهارة ضرورة كما تقدم، فأشبهت صلاة القاعد المريض يؤم قيامًا، والأمى يؤم من يحسن القراءة‏.‏

وأما التيمم بالسبخة فهو قول جماعة العلماء على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت جعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا-، فدخل فيه السبخة وغيرها‏.‏

وخالف ذلك إسحاق بن راهويه، فقال‏:‏ لا يجزئه التيمم بالسبخة‏.‏

قال المهلب‏:‏ فى حديث المزادتين من الفقه‏:‏ أن النبى صلى الله عليه وسلم قد ينام كنوم البشر فى بعض الأوقات، إلا أنه لا يجوز عليه الأضغاث، لقوله‏:‏ تمت رؤيا الأنبياء وحى-‏.‏

وفيه‏:‏ أن الأمور يحكم فيها بالأعم، لقوله‏:‏ تمت كنا لا نوقظ النبى صلى الله عليه وسلم، لأنا لا نعلم ما يحدث له فى نومه-، وقد يحدث له وحى، أو لا يحدث، فحكموا بالأعم كما حكم على النائم غيره بحكم الحدث، وقد يكون الحدث، أو لا يكون‏.‏

وفيه‏:‏ التأدب فى إيقاظ السيد كما فعل عمر، لأنه لم يوقظ النبى صلى الله عليه وسلم بالنداء بل أيقظه بذكر الله إذ علم عمر أن أمر الله يحثه على القيام‏.‏

وفيه‏:‏ أن عمر أجلد المسلمين كلهم، وأصلبهم فى أمر الله‏.‏

وفيه‏:‏ أن من حَلَّت به فتنة فى بلد، فليخرج عنه، وليهرب من الفتنة بدينه كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم بارتحاله عن بطن الوادى الذى تشاءم به لما فتنهم فيه الشيطان‏.‏

وفيه‏:‏ أن من ذكر صلاة أن له أن يأخذ فيما يصلحه لصلاته طهور ووضوء، وانتقاء البقعة التى تطيب عليها نفسه للصلاة، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر الصلاة الفائتة فارتحل بعد الذكر، ثم توضأ وتوضأ الناس، وهذا لا يتم إلا فى مهلة، ثم أذن واجتمع الناس وصلوا‏.‏

وفيه‏:‏ رد لقول عيسى بن دينار أن حديث الوادى هذا، وتأخير الرسول صلى الله عليه وسلم عن المبادرة بالصلاة فى الوادى قبل أن يرتحل منسوخ بقوله‏:‏ ‏(‏أقم الصلاة لذكرى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 14‏]‏، لأنه صلى الله عليه وسلم لما خرج عن الوادى وصلى، خطبهم مؤنسًا لهم مما عرض لهم، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردها فى حين الصلاة، ولكن من فاتته صلاة، أو نسيها، فليصلها، إذا ذكرها، فإن الله يقول‏:‏ ‏(‏أقم الصلاة لذكرى ‏(‏-، فاحتج النبى صلى الله عليه وسلم بالآية على فعله، وآنس القوم بذلك، وأشار لهم إلى قوله تعالى المعروف عندهم، فكيف يكون ما نزل الله قبل ناسخًا لما كان بعد‏؟‏ إنما ينسخ الآخر الأول، وهذه الآية نزلت بمكة، وهذه القصة عرضت بعد الهجرة‏.‏

وفيه من الفقه‏:‏ أن من فاتتهم صلاة بمعنى واحد أن لهم أن يجمعوها إذا ذكروها بعد خروج وقتها، وأن تأخير المبادرة إليها لا يمنع الإنسان أن يكون ذاكرًا لها، وأن يعيدها‏.‏

وفيه‏:‏ طلب الماء للشرب والوضوء، والبعثة فيه‏.‏

وفيه‏:‏ أن الحاجة إلى الماء إذا اشتدت أن يؤخذ حيث وجد ويعوض صاحبه منه، كما عُوضت المرأة‏.‏

وفيه‏:‏ من دلائل النبوة ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم أن توضأ أهل الجيش، وشربوا واغتسل من كان جنبًا مما سقط من العزالى، وبقيت المزادتان مملوءتين بركته وعظيم برهانه‏.‏

وفيه‏:‏ مراعاة ذمام الكافر والمحافظة به كما حفظ النبى صلى الله عليه وسلم هذه المرأة فى قومها وبلادها، فراعى فى قومها ذمامها، وإن كانت من صميمهم فهى من أدناهم، وكان ترك الغارة على قومها سببًا لإسلامها، وإسلامهم وسعادتهم‏.‏

وفيه‏:‏ بيان مقدار الانتفاع بالاستئلاف على الإسلام، لأن قعودهم عن الغارة على قومها كان استئلافًا لهم، فعلم القوم قدر ذلك، وبادروا إلى الإسلام رعاية لذلك الحق‏.‏

وقوله‏:‏ تمت ونفرنا خلوف- قال الخطابى‏:‏ يقال‏:‏ الحى خلوف إذا غابوا وخلفوا أثقالهم، وخرجوا فى رعى، أو سقى، أو نحوه، ويقال‏:‏ أخلف الرجل إذا استقى الماء واستخلف مثله، وأنشد الفراء‏:‏

وَبَهْمَاء يستاف التراب دليلها *** وليس بها إلا اليمانىُّ مخلف

يقول‏:‏ إنهم إذا عطشوا بقروا بالسيوف بطون الإبل، فشربوا ما فى أكراشها، ويقال للقطا‏:‏ المخلفات، لأنها تستقى لأولادها الماء وتخلف‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ الحى خلوف‏:‏ غُيَّب وحضور، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏رضوا بأن يكونوا مع الخوالف‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 87، 93‏]‏ أى النساء‏.‏

وأنشد فى العيب‏:‏

أصبح البيت بيت آل بيان *** مقشعرا والحى حى خلوف

أى لم يبق منهم أحد‏.‏

والعزالى جمع عزلاء، والعزلاء فم المزادة الأسفل، عن أبى عبيد‏.‏

قال صاحب العين‏:‏ العزلاء مصب الماء من الراوية، وكذلك عزلاء القربة، ولذلك سميت عزلاء السحاب‏.‏

والصرم‏:‏ النفر ينزلون بأهليهم على الماء‏.‏

يقال‏:‏ هم أهل صرم والجمع أصرام‏.‏

فأما الصرمه، بالهاء، فالقطعة من الإبل نحو الثلاثين، عن الخطابى‏.‏

باب إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوِ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ

وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِى لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلا‏:‏ ‏(‏وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 29‏]‏ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُعَنِّفْ‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو مُوسَى أَنّه قَالَ لابْن مَسْعُود‏:‏ إِذَا لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ لا تُصَلِّى، قَالَ عَبْدُاللَّهِ‏:‏ لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِى هَذَا كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ الْبَرْدَ، قَالَ‏:‏ هَكَذَا- يَعْنِى تَيَمَّمَ- وَصَلَّى، قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ‏؟‏ قَالَ إِنِّى لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ‏.‏

- وَقَالَ أَبُو مُوسَى مرةٍ لابن مَسْعُود‏:‏ أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِذَا أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجِدْ مَاءً، كَيْفَ يَصْنَعُ‏؟‏ فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ‏:‏ لا يُصَلِّى، حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى‏:‏ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت كَانَ يَكْفِيكَ-‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بقولِ عَمَّارٍ، فَقَالَ أبُو مُوسَى‏:‏ فَدَعْنَا مِنْ قَول عَمَّار، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ‏؟‏ فَمَا دَرَى عَبْدُاللَّهِ مَا يَقُولُ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِى هَذَا، لأوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ، وَيَتَيَمَّمَ، قَالَ الأعمش‏:‏ فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ‏:‏ فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُاللَّهِ لِهَذَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ كل من خاف التلف من استعمال الماء جاز له تركه وتيمم بلا خلاف بين فقهاء الأمصار فى ذلك، وأما إن خاف الزيادة فى مرضه، ولم يخف التلف، فقال مالك‏:‏ يجوز له التيمم، وهو قول أبى حنيفة، والثورى‏.‏

واختلف قول الشافعى، فقال مثل قول مالك، وقال‏:‏ لا يعدل عن الماء إلا أن يخاف التلف، وقد روى عن مالك مثل هذا‏.‏

وقال عطاء، والحسن البصرى، فى رواية‏:‏ لا يستباح التيمم بالمرض أصلاً، وكرهه طاوس، وإنما يجوز للمريض التيمم عند عدم الماء، فأما مع وجوده فلا، وهو قول أبى يوسف، ومحمد‏.‏

والدليل لجواز التيمم، وإن لم يخف التلف ما احتج به أبو موسى على ابن مسعود من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماءً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 43، المائدة‏:‏ 6‏]‏، ولم يفرق بين مرض التلف، أو مرض يخاف زيادته، فهو عام فى كل مرض إلا أن يقوم دليل‏.‏

وأما قصة عمرو بن العاص‏:‏ تمت فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ولاه غزوة ذات السلاسل، فاحتلم فى ليلة باردة، فقال‏:‏ إن اغتسلت هلكت، فتيمم وصلى بالناس، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال له‏:‏ صليت بالناس وأنت جنب‏؟‏ فقال‏:‏ سمعت الله يقول‏:‏ ‏(‏ولا تقلتوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 29‏]‏، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا-‏.‏

ففى هذا الخبر فوائد‏:‏ منها‏:‏ جواز التيمم للخائف من استعمال الماء‏.‏

والثانية‏:‏ جواز التيمم للجنب، بخلاف ما روى عن عمر، وابن مسعود‏.‏

والثالثة‏:‏ جواز التيمم لأهل البرد‏.‏

والرابعة‏:‏ أن المتيمم يصلى بالمتطهرين‏.‏

وأيضًا فإن الرخص كلها تستباح بلحوق المشقة، ولا تقف على خوف التلف، كالفطر، وترك القيام فى الصلاة، فإن المريض يفطر إذا شق عليه الصوم، ولا يقال له‏:‏ لا تفطر حتى تخاف التلف، وكذلك المضطر إلى أكل الميتة، إذا لحقه الجوع الشديد، وإن لم يخف التلف‏.‏

وأجمع الفقهاء أن المسافر إذا كان معه ماء وخاف العطش أنه يُبقى ماءه للشرب ويتيمم‏.‏

وأجمعوا أن الجنب يجوز له التيمم، إلا ما روى عن عمر، وابن مسعود أنهما لا يجيزان التيمم للجنب، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كنتم جنبًا فاطهروا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏، وقوله‏:‏ ‏(‏ولا جنبًا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 43‏]‏، وقد روى مثل هذا عن ابن عمر، واختلف فيه عن علىّ‏.‏

وخفيت عليهم السنة فى ذلك من رواية عمار، وعمران، وإنما استراب عمر عمارًا فى ذلك، لأنه كان حاضرًا معه، فلم يذكر القصة وأنسيها، فارتاب، ولم يقنع بقوله، وكان عمر وابن مسعود لما كان من رأيهما أن الملامسة فى الآية هى ما دون الجماع، وكان التيمم فى الآية يعقب الملامسة منعا الجنب التيمم، ورأيا أن التيمم إنما جعل بدلاً من الوضوء، ولم يجعل بدلاً من الغسل، فكان من رأى ابن عباس، وأبى موسى‏:‏ أن الملامسة فى الآية الجماع، فأجازا للجنب التيمم، ألا ترى أن أبا موسى حاجَّ ابن مسعود بالآية التى فى سورة النساء، فإن الملامسة فيها الجماع، فلم يدفعه ابن مسعود عن ذلك، ولا قدر أن يخالفه فى تأويله للآية فلجأ إلى قوله أنه لو رخص لهم فى هذا كان أحدهم إذا برد عليه الماء تيمم، وقد ذكر ابن أبى شيبة قال‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبى سنان، عن الضحاك قال‏:‏ رجع عبد الله عن قوله فى تيمم الجنب ولم يتعلق أحد من فقهاء الأمصار، من قال‏:‏ إن الملامسة الجماع، ومن قال‏:‏ إنها دون الجماع، بقول عمر وابن مسعود، وصاروا إلى حديث عمار وعمران بن حصين فى ذلك، إلا إنهم اختلفوا، ثم أجازوا للجنب التيمم، فمن قال‏:‏ الملامسة الجماع أوجب التيمم بالقرآن، وهو قول الكوفيين، ومن قال‏:‏ الملامسة ما دون الجماع أوجب التيمم للجنب بحديث عمار وعمران، وهو قول مالك‏.‏

قال المهلب‏:‏ وفى قول أبى موسى لابن مسعود‏:‏ تمت فدعنا من قول عمار، كيف تصنع فى هذه الآية‏؟‏- فيه‏:‏ الانتقال فى الحجاج مما فيه الخلاف إلى ما عليه الاتفاق، وذلك أنه يجوز للمناظرين عند تعجيل القطع والإفحام للخصم، ألا ترى أن إبراهيم إذ قال‏:‏ ربى الذى يحيى ويميت، قال له النمروذ‏:‏ أنا أحيى وأميت، لم يحتج أن يوقفه على كيفية إحيائه وإماتته، بل انتقل إلى مسكت من الحجاج فقال‏:‏ إن الله يأتى بالشمس من المشرق فائت بها من المغرب‏.‏

باب التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ

- فيه‏:‏ أَبِى مُوسَى وعَبْدِ اللَّهِ إلى قَول النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ تمت إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا-، وضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِا ظَهْرَ كَفِّيهِ شِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِا وَجْهَهُ-‏.‏

اختلف العلماء فى صفة التيمم، فقالت طائفة‏:‏ هو ضربتان‏:‏ ضربة للوجه يمسح بها وجهه، وضربة لليدين يمسحهما إلى المرفقين اليمنى باليسرى، واليسرى باليمنى، روى هذا عن ابن عمر، والشعبى، والحسن، وسالم، وهو قول مالك، والثورى، والليث، وأبى حنيفة وأصحابه، والشافعى، وذكره الطحاوى، عن الأوزاعى، وهؤلاء كلهم لا يجزئه عندهم المسح دون المرفقين، إلا مالك فأن الفرض عنده إلى الكوعين، وروى عن على بن أبى طالب مثل هذا، ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الكوعين‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ التيمم ضربتان يمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه إلى مرفقيه، هذا قول ابن أبى ليلى والحسن بن حى‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين إلى الكوعين‏.‏

روى هذا عن عطاء، ومكحول، ورواية عن الشعبى، وهو قول الأوزاعى، وأحمد، وإسحاق، واختيار ابن المنذر‏.‏

وروى ابن القاسم عن مالك‏:‏ إن مسح وجهه ويديه بضربة واحدة أرجو أن يجزئه، ولا إعادة عليه، والاختيار عنده ضربتان‏.‏

فأما الذين اختاروا ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، فإنهم قاسوا ذلك على الوضوء، واتبعوا فعل ابن عمر فى ذلك، وقالوا‏:‏ لما كان غسل الوجه بالماء غير غسل اليدين، فكذلك يجب أن تكون الضربة للوجه فى التيمم غير الضربة لليدين‏.‏

وأما قول ابن أبى ليلى والحسن بن حى فهو شذوذ لا سلف له، وأصح ما فى حديث عمار أنه ضرب ضربة واحدة لكفيه ووجهه، رواه الثورى، وأبو معاوية، وجماعة عن الأعمش، عن أبى وائل، وسائر أحاديث عمار مختلف فيها‏.‏

واحتج ابن القصار لهذا القول فقال‏:‏ إذا ضرب بيديه إلى الأرض، فبدأ بمسح وجهه، فإلى أن يبلغ حد الذقن لا يبقى فى يديه شىء من التراب، فإذا جاز فى بعض الوجه ذلك ولم يحتج أن يعيد ضرب يديه على الأرض، لم يحتج أن يضرب بيديه ليديه، لأنه ليس كالماء الذى من شرطه أن يماس كل جزء من الأعضاء‏.‏

قال غيره‏:‏ وفيه جواز ترك الترتيب فى التيمم، لأنه صلى الله عليه وسلم مسح كفيه قبل وجهه فى إحدى الروايات‏.‏

تم كتاب الطهارة والحمد لله وصل الله على محمد وآله وصحبه، وبه تم الجزء الأول ويليه بإذن الله الجزء الثانى وأوله كتاب الصلاة‏.‏